بمناسبة الذكري الثالثة لثورة 17 فبراير، أقامت السفارة الليبية في المانيا احتفالاً رسمياً يوم 18/02/2014 بفندق Ritz-Carlton بمدينة برلين، حضره لفيف من السياسيين والسفراء ورؤساء البعثات الدبلوماسية للدول الشقيقة والصديقة المعتمدين في المانيا، وكذلك بعض المسئولين بالحكومة الالمانية، ونخبة من المثقفين ورجال الأعمال والإعلاميين، كما حضر الاحتفال ممثلو الجمعيات الأهلية ومدراء الشركات والمستشفيات التي تتعامل معها الدولة الليبية، وقد القي السيد السنوسي عبد القادر كويدير، سفير دولة ليبيا المعتمد لدى المانيا، كلمة بهذه المناسبة تطرق فيها إلى المكاسب التي تحققت بفضل ثورة 17 فبراير رغم التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد، والذي كان آخرها انتخاب لجنة الستين، كما أشار إلى التضحيات التي قدمها الشعب الليبي خلال الثورة وطموحاته للتحول إلى دولة القانون وحقوق الإنسان، كما أشاد بعمق العلاقات التاريخية بين دولة ليبيا وجمهورية المانيا الاتحادية، كما اُقيم على هامش الاحتفال معرض للصور الفوتوغرافية للدمار الذي سببته الالة العسكرية لكتائب الطاغية، وكذلك معاناة الشعب الليبي خلال تلك الفترة، كما عكست دور الثوار الأشاوس ومدى شجاعتهم في مقاومة الكتائب، وقد نال المعرض استحسان وتقدير الحاضرين.
نص كلمة سعادة السفير الليبي / السنوسي كويدير
كلمة السيد السنوسي عبد القادر كويدير
سفير دولة ليبيا لدى جمهورية المانيا الاتحادية
بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة 17 فبراير
باديَ ذيِ بدْء يطيبُ لي أن أَتَقَدم بالشكرِ والتقديرِ لضيوفنا الأفاضلِ الكرامِ لتلبيةِ هذه الدعوة والمشاركة معنا في الاحتفال بالذكرى الثالثة لثورة 17 فبراير المجيدة.
أغْتَنمُ هذه المناسبةُ السعيدةُ لأتقدم للشعبِ الليبيِ بأحرِ التهاني بهذهِ الذكرى الطيبة للثورة التي حقق فيها الشعبُ الليبيُ أعز أمانيهِ ، وأُحيّ بكلّ احترامٍ وتقديرٍ أبطالنا الأشاوسَ الذين خرجوا لمحاربةِ كتائبِ الطاغيةِ وتحقيقِ النصرِ لكل الليبيين ، كما اترحمُ على أرواحِ الشهداءِ الذين ضَحوا بارواحِهمْ الزكيةِ لنُصرة الحقِ والقضاءِ على الظلم ، كما أحيِّ كلِّ الليبيينَ الذينَ ضَحوا أسمى تضحيةٍ في سبيلِ الوطن ، وبرهنوا على أنهم شعبُ يمتلكُ الإرادةَ والإصرارَ والوطنيةَ ، ولنْ يفرّطوا في المُكَتَسب العظيمِ الذي تَحقّقَ في 17 فبراير ، ولا في الوحدة الوطنية.
إنّ الوفاءَ للدماءِ الغزيرةِ التي سُكِبَت والتضحياتِ الجسيمةِ التي قُدّمتَ يقتضي منا جميعاً إستكمالَ المسيرةِ والإصرارِ على بلوغِ الهدفْ وتشبثاً بالمبادئِ النبيلةِ التي قام الِشّيبُ والشبابُ من أجلِها غيرَ مبالينَ بالثمن المقدّم لبلوغِ المقصد ، فالمرحلةُ التي نعيشُها الآن هي مرحلةُ جديدةًُ نريد أنَ نُؤَسِس لها علي مبادِئَ التعددِ والحوارِ والديمقراطيةِ ، وما تقتضيهِ من ممارساتٍ وسلوكياتٍ ينبغي أن تسودَ لتحميَ الحريةَ والديمقراطيةَ من أن تُسلَب أو أن يتم التآمر عليها مرةً أخرى لا سمح اللهُ بعد تلك التضحياتِ الجسيمة.
(2)
لقد انتصرت ليبيا ونجحَ المسارُ الانتخابيُّ وتم انتخابُ المؤتمرِ الوطنيِ العام وتشكيل الحكومة المؤقتة ، وانطلقَ بناءُ مؤسساتِ الدولةِ على أُسسٍ عصريةٍ وفق مبادئَ وأهدافَ ثورة 17 فبراير ، فقد تم يوم 20 يوليو 2013 التوقيعَ من قِبل رئيسِ المؤتمرِ الوطني العام على قانون انتخابِ الهيئةِ التأسيسيةِ لصياغةِ مشروعِ الدستورِ الدائم لليبيا الذي كان المؤتمرُ الوطنيُ العام قد أعتمدَه في نفسِ الشهر ، وتم تسليمَهُ الى رئيسِ المفوضيةِ الوطنيةِ العليا للانتخابات ، وتم التصويتُ يوم الأمسِ لكافةِ الليبيينَ المقيمينَ بالخارج على لجنةِ الستين التي سيُوكْلُ لها مهمةُ كتابة الدستورِ الدائمِ للبلاد ، في حينِ سيتمُ التصويتُ داخِلَ البلادِ على هذه اللجنةِ بعدَ غداً الموافقُ 20 فَبراير ، وتأتي هذه الخطوةُ لتؤكدَ للعالم بأن بلادي عازمةً رغْمَ كلّ التحدياتِ على المُضِيّ قُدُماً في الحفاظَ على ميراثِ الأجدادِ والتأسيسِ لوطنِ الأبناءِ تحت مِظَلّةِ الدستور الذي سيكون العبورُ نحوَهُ مِن خلالِ انتخاباتِ لجنةِ الستين ، فالديمقراطيةُ الوليدةُ في ليبيا ما كانت
لتكونَ ، بَعدَ فَضْلِ اللهِ ، لولا ما بُذل من دماءٍ زكيةٍ قَدّمَها شهداؤنا دفاعاً عنِ الدينِ والوطنِ ، وبهذه الخطوهِ سَيتُمّ إِرساءُ دَعَائِمَ دولةِ ليبيا الجديدة التي طالما انتظرَها الليبيونَ الذين يواجهون تحدياً كبيراً في صياغةٍ دُستورِهم الأولِ بعدَ نهايةِ حُكمِ “معمر القذافي” الذي حَكَم البلاد 42 عاماً ، والغى دستور ليبيا الصادر عام 1951 والذي يَعتَبرُ من أفضلِ الدساتيرِ في المنطقة ، ولجنةُ الستين في صياغَتِها للدستور ستُحَدِدُ القضايا الرئيسية التي تَنَظِّم قوانينِ البلادِ بدءاً من نظامِ الحكمِ ولغةِ البلاد الرسمية الى وضعِ المرأةِ والأقليات ، ودور الشريعةِ الإسلاميةِ في الدستور ، ونتمنى لهذه اللجنة التوفيق والسداد ، ووضع دستور يُرضيِ كافة مكوناتِ الشعبِ الليبيِ ليكونَ لبِنةَ بناء دولتنا الحبيبة ، وتحقيق الأمنِ والاستقرار فيها.
(3)
بلادي مصممةُ على بَدّلِ قُصَارى جُهدِها من أجلِ ترسيخِ الأمنِ والحفاظِ عليه من خلالِ بناءِ الجيش الوطني وجهاز الشُرْطَة ، فعمليةُ تصدير الإرهابِ وعَدمِ الاستقرار انتهتْ مع انتهاءِ القذافي ، وليبيا الجديدةَ لنِ تكونَ مَصْدَر تهديدٍ أو قلقٍ لأي دولة ، والحكومة الليبيةُ جادةُ في ضَبْط حُدودِها وستكونُ دولةً فَعّالةً ومُثْمِرةً في المنطقة ، والشعبُ الليبي متفائلُ جداً بمستقبلِ بلادِه وأبناءِه.
ترغبُ بلادي في استعادةِ دَوِرها الإقليميِّ والدوليِ والذي غُيبّت عنه طيلةَ الأربع عقودٍ الماضيةِ في إطارِ بناءِ علاقاتٍ دوليةٍ يَسُودُها التعاونُ والنَّديةُ والاِحترامُ المتبادل.
ترتبط دولةُ ليبيا وجُمْهوريةُ ألمانيا الإتحاديةِ بعلاقاتٍ وطيدةٍ ولدىَ البلدينِ الصديقينِ الرغْبةُ المُشْتَركةُ في تمتينِ علاقاتِ التعاونِ بَيْنَهم في كافةِ المجالاتِ ، وخاصةً في مجالاتِ التقنيةِ الطبيةِ ، والطاقةِ ، والبنيةِ التحتيةِ ، ويمكنُ لألمانيا كذلك أن تلعب دوراً مهماً في إعادةِ بناءِ وإِعْمَارِ ليبيا ، وإِنْماءِ اقتِصاَدِها وتأمينِ حُدودهِا من خلالِ الاتحادِ الاوروبي ، وبلادي تَتَطَلّعُ لدورٍ نشطٍ لألمانيا في المستقبلِ ، فالعلاقات الليبيةُ الألمانيةُ علاقاتً قديمة ، وحَجْمُ تَعَاونِها الاقتصاديُّ مع ليبيا كبيرُ جداً ، فالشركاتُ الألمانيةُ تملكُ سُمْعَةً جيدةً على الصعيدِ العالمي وتَمْلُك تكنولوجيا متطورة مما يُحَسّنُ فُرَصَ فَوزِهاَ بِصفقاتٍ تُجاريةٍ في ليبيا ، ويُمّكُنُ أنْ تَلْعبَ ألمانيا دوراً مهماً في مجالاتٍ كثيرةٍ كتطويرِ البنيةِ التحتيةِ ، أو بِنَاءِ المُنْشآتِ الكهربائيةِ والتدريبِ المهنيِ.
(4)
كذلك هناك تعاونُ كبيرُ بينَ البلدينِ في المجالِ العلميِ والثقافيِ ، فقد عانىَ التعليمُ العاليِ في بلادي كثيراً إِبّانَ حُكْمِ
القذافي ، وكانَ التأهيلُ العلميِ سيئاً جداً ، فبلادي توفدُ سنوياً العديدَ مِنَ الطلبةِ للدراسةِ في جمهوريةِ ألمانيا في مُخْتَلفَ التَخَصّصاتِ وخاصةً الدراساتِ العليا في مجالِ الطبِْ والهندسة ، وعددٍ من المتدربين في كافةِ المجالاتِ ، حيث يُقَدّرُ عددُ الطلبةِ الليبيين حالياً في ألمانيا (1000) طالب.
كما يوجد تعاونُ كبيرُ بينَ البلدينِ في مجالِ الصحةِ ، حيثُ يَتَلقَى العديدُ مِنَ المرضى والجَرْحى الليبيين العلاجَ بالمستشفياتِ الألمانيةِ ، كما تَستَورِدُ دولةُ ليبيا المعداتِ والأجهزةِ الطبيةِ الألمانية ، بالإضافةِ إلى تدريب الكوادرِ الطبيةِ الليبيةِ بأرقىَ المستشفيات الألمانية للإستفادةِ من خبرةِ أَلمانيا في هذا المجال.
دولةُ ليبيا الجديدةُ في مرحلةِ بناءِ وتَطْلُبُ مساعدةِ شُرَكائِها الأوروبيون وخاصةً ألمانيا ، في مجالِ تَنْمِية القوىَ البشريةِ وتدريبِ عناصر الشرطة والجيش ، لأن هذا عاملُ أساسيُ في تَسليمِ الثوارِ لسلاحِهِمُ والإنْدِمَاج في مؤسساتِ الدولةِ ، بلادي قَطَعَتْ شوطاً كبيراً في هذا المجال ، فقد أَوْفَدَتْ العديدَ من الشبابِ في دوراتٍ تدريبيةٍ بالخارجِ في كافةِ المجالاتِ ، ووضعتْ برنامجٍ شاملٍ لدمجِ الثوارِ في مؤسساتِ الدولةِ ، وقد تم بالفعلِ دمجْ عددٍ كبيرٍ مْنُهم.
(5)
أتَضَرّعُ إلى اللهِ أن يَحْفَظَ وطَنُنَا الغالي ، ويُنْعمُ عليهِ بالرفاهيةِ والرخاءِ ، وأنْ يُعِيُنَنا على خِدْمَتِه ، وأُوِصيِ بهذه المناسبةِ الليبيين الاحرارَ الشرفاءَ بالحفاظِ على هذه المَكاسِبِ وعلى الوحدةِ الوطنية.
ودامت ليبيا حرة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السنوسي عبد القادر كويدير
سفير دولة ليبيا لدى جمهورية المانيا الاتحادية
برلين في 18/02/2014